الخميس، 1 سبتمبر 2011

مَنْ هم الأغلبية فى الشارع السياسى؟

بقلم د. رأفت رضوان

يموج الشارع السياسى المصرى بتيارات سياسية عدة تحمل أسماء وتوجهات مختلفة، ويدعى كل منها أنه يعبر عن الأغلبية، بل ويصل به الأمر إلى الادعاء بأنه هو صوتها وممثلها الوحيد، وأن الآخرين ليسوا سوى أقلية قليلة لا تعبر عن الشارع المصرى، وذلك دون مرجعية أو دلائل على هذا التمثيل للأغلبية التى يتحدث عنها.

اللافت للنظر أن الكثيرين أصبحوا يدللون على امتلاك الأغلبية من خلال حجم مظاهرات يوم الجمعة التى يشهدها ميدان التحرير، وجرى العرف بإطلاق كلمة مليونية عليها، مع العلم بأن عدد المشاركين فيها لا يصل فى أغلب الأحوال إلى عشر هذا الرقم، ولكن صوت الميكروفونات والتجمع حول المنصات التى تقام أصبح هو المعبر عن العدد.

ومع كل الاحترام والتقدير لكل التيارات السياسية، المتطرف منها والمعتدل فيها، المنضوى تحت لواء المدنية منها أو المتمسح بالإسلام فيها، أقول كلمة علم، لا ترتكز إلا على التحليل الإحصائى، إنها بصراحة «لا أحد من أى من التيارات السياسية الحالية، الجديد منها قبل القديم، له الحق فى الادعاء بالتعبير عن الأغلبية فى مصر».

التحليل العمرى للمجتمع المصرى يؤكد أن أغلبية المجتمع المصرى تحت سن الخامسة والعشرين، حيث تمثل هذة الفئة العمرية أكثر من ٦٠% من مجموع سكان مصر، ولا أحسب أن الغالبية العظمى ممن يتشدقون بإسم الأغلبية ممن جاوزوا غالباً سن الستين يمكن أن يكون لهم الحق فى الادعاء بتمثيل تلك الشريحة العمرية والتى تتحدث لغة مختلفة تماماً عن لغة الكهول، ولا تفهم أغلب ما يتشدقون به من عبارات فارغة، كما أن مشاكلهم الحياتية تختلف كثيراً عما يتصارع عليه شيوخ السياسة!!

تحليل المستوى التعليمى للمجتمع المصرى، يجزم بأن كل من يدعون تمثيل الأغلبية لا ينتمون إلى الأغلبية من قريب أو بعيد. المجتمع المصرى تبلغ نسبة الأمية فيه ٣٠% يضاف إليها شريحة أخرى تحت مسمى «يقرأ ويكتب» فيكون مجموع الشريحتين ٥٥% من مجموع السكان، وبالتالى فهم الأغلبية الحقيقية، أما المثقفون وخريجو الجامعات فهم فى نهاية الأمر لا يمثلون سوى ١٠% فقط من مجموع السكان، وهم بالطبع الذين يتصدرون المشهد السياسى ويروجون لفكرة أنهم ممثلو الأغلبية، وهم لا يعرفون ولا يتكلمون لغة الأغلبية البسيطة، كما أن مشاكل تلك الأغلبية لا تصل إلى المنصات السياسية التى يتبارى خطباؤها فى الحديث عن موضوعات لا يفهم غالبية المجتمع حتى أى معانيها.

تلك الحقائق تؤكد أنه لا يوجد فصيل واحد يعبر عن الأغلبية الحقيقية فى مصر، فالأغلبية كما أوضحت هى صغار السن والأميون، وكلاهما بعيد كل البعد عن الكهول وعواجيز الفرح الذين يتصدرون المشهد السياسى حالياً والذين يتحاورون حول قضايا ومسلمات، بل وتسميات لا تعرف الأغلبية عنها شيئاً.

المشكلة الحقيقية هى أن هناك بعض المدعين بالأغلبية، الذين يعرفون كيف يتلاعبون بتلك الأغلبية البعيدين عنها كل البعد والتى يعرفون ثابتها الوحيد.. ألا وهو الدين!!!

الأمر بسيط، إذا كنت لا تملك الأغلبية، فكل ما تحتاج له لتقنعها بك، هو أن توصم منافسيك بأنهم يرفضون ثابت الأغلبية الوحيد: الدين، وبالتالى فمهما كان الاختلاف فهم البديل الأقرب لهم!!

إنها لعبة صغيرة ولكنها خطيرة فى حياة وتاريخ أمة، وسواء كانت الدوافع شريفة أو خسيسة فإن المجتمع يدفع ثمن أميته التى حافظت عليها نظم الحكم البائدة من عهد الخديو سعيد عندما أغلق المدارس التى بناها محمد على وقال عبارته الشهيرة «الأمة الجاهلة أسلس قيادة من الأمة المتعلمة».

وفى النهاية، وبالرغم من أن لا أحد يملك الأغلبية، وأن لا أحد يعبر عن مشاكل وطموحات الأغلبية، فإن هناك بعض الأقليات التى تستطيع أن تتلاعب بمشاعر الأغلبية وتدفها دفعاً نحوها حتى ولو لم يكن ذلك فى مصلحتها!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق